قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، إن قرار توحيد القوات المسلحة كان إنجازاً تاريخياً أكد عزم الآباء المؤسسين على المضي قدماً في استكمال أركان الاتحاد وتعزيز مسيرته.
وأضاف سموه في كلمة وجهها عبر مجلة ( درع الوطن) في الذكرى الـ 45 لتوحيد القوات المسلّحة أن احتفاءنا بهذه الذكرى الغالية يكتسب أهمية استثنائية لأنه يأتي في "عام الخمسين"؛ الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله" للاحتفاء برحلتنا الإنسانية الفريدة في الأعوام الخمسين الأولى من تاريخ دولتنا والإعداد للتحول الفاعل والمستدام للأعوام الخمسين المقبلة.
ولفت سموه إلى أن استشراف قواتنا المسلحة للمستقبل ومواكبتها للمتغيرات هو جزء من ثقافتها، ودورها في السنوات الخمسين المقبلة هو بطبيعة الحال امتداد لدورها منذ تأسيسها: درع وطننا وسيفه البتار، والسياج المنيع لأمننا واستقرارنا، والحافظ الأمين لسيادتنا واستقلالنا.
وفيما يلي نص الكلمة :
"(بسم الله الرحمن الرحيم )
ضباط وجنود قواتنا المسلحة الباسلة
أبناء وبنات الإمارات الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة والأربعين لصدور قرار توحيد قوات الإمارات المسلحة وبركات شهر رمضان تزيدنا حمداً للمولى سبحانه وتعالى، وشكراً على ما أفاض به علينا من نعمه، وما كتبه لنا من توفيق في أعمالنا، ومن نجاح في تحقيق التنمية الشاملة في بلادنا.
ويكتسب احتفاؤنا بهذه الذكرى الغالية أهمية استثنائية لأنه يأتي في "عام الخمسين" الذي أعلنه أخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله" للاحتفاء برحلتنا الإنسانية الفريدة في الأعوام الخمسين الأولى من تاريخ دولتنا، والإعداد للتحول الفاعل والمستدام للأعوام الخمسين المقبلة.
يدعونا "عام الخمسين" إلى التأمل في مسيرتنا؛ أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وكيف سارت حكمة وعزيمة وإرادة ورؤى آباء التأسيس وآباء التمكين في بناء دولتنا حتى أصبحت في وقت قياسي واحدة من أسرع دول العالم نمواً وتطوراً وتقدماً ومنعة وفاعلية.
لقد حقق آباؤنا المؤسسون في 2 ديسمبر1971 أقصى ما يمكن تحقيقه ضمن معطيات الوقائع المحلية والإقليمية والدولية، كانوا يدركون أنهم يبنون نموذجاً اتحادياً غير مسبوق في المنطقة العربية، وأن النجاح في بناء دولة مكونة من عدة إمارات يتطلب التدرج وطول النفس، وكانوا يدركون أن إنجازهم التاريخي بإقامة الاتحاد ومؤسساته وتثبيت حضوره في المحافل الإقليمية الدولية هو خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى لاستكمال أركانه وتوطيد دعائمه، وفي مقدمة هذه الخطوات توحيد قوات الإمارات المسلحة، وهو ما انطلق في مثل هذا اليوم منذ 45 عاماً، وقد تشرفت بالمشاركة في هذه الانطلاقة ومواكبة مسيرتها في كل مراحلها، وما زالت تفاصيل تلك الأيام حية في ذاكرتي.
كان الشيخ زايد "طيب الله ثراه" قد شكل لجنة لدراسة واقتراح إجراءات التوحيد، ورفعت اللجنة توصياتها إلى المجلس الأعلى للاتحاد الذي وافق عليها، وترأس الشيخ زايد اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع الذي يضم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والقائد العام ورئيس الأركان، وأمر بوضع خطة لتطوير "قوة دفاع الاتحاد" التي أصبح اسمها "القوات المسلحة الاتحادية"، ورفع كفاءة أفرادها وتزويدها بالأسلحة المناسبة، وفي 6 مايو 1976 عقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاً برئاسة الشيخ زايد، وأصدر قرار توحيد قوات الإمارات المسلحة.
كان قرار التوحيد إنجازاً تاريخياً أكد عزم الآباء المؤسسين على المضي قدماً في استكمال أركان الاتحاد وتعزيز مسيرته، أما إجراءات تنفيذ القرار وصولاً إلى الدمج الكامل فقد ارتبطت بقدرتنا على مواجهة التحدي الصعب الماثل في محدودية مواردنا العسكرية الوطنية، كان النقص فادحاً في كوادرنا المؤهلة، ولم تكن تتوفر قاعدة بشرية وطنية كافية في قوات الإمارات المدعوة للتوحيد، ولم أكن أتصور جيشاً حديثاً لدولتنا لا يكون المواطنون قادته وقاعدته العريضة، وهذا في واقع الأمر ما جعل التدرج في عملية التوحيد أمراً محتوماً.
نعم، كان بناء وتكوين الكوادر والقيادات العسكرية تحدياً ضخماً، ولكننا واجهنا هذا التحدي كما يجب، وبفضل قيادة الشيخ زايد "طيب الله ثراه"، وأخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله، وأخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رعاه الله، نجحنا خلال سنوات معدودات في تحقيق التوطين في رتب قواتنا المسلحة كافة، وبات عديد قواتنا نخبة نفتخر بكفاءاتها وجدارتها وقدراتها، ونجاحها في استيعاب واستخدام أحدث الأسلحة، وإدارة أكثر منظومات السلاح تقدماً وتطوراً.
إن أجيالنا الناشئة التي تفخر بقواتنا المسلحة وتطمئن إلى جدارتها وفاعليتها، مدعوة لأن تتمعن في قصة تكوين كوادرنا العسكرية الوطنية التي تلخص بدقة مسيرة التنمية البشرية في بلادنا، وتشهد أن بناء الإنسان الإماراتي لم يكن مجرد شعار نرفعه، بل عمل مخطط ودؤوب أثمر كوادر وقيادات تتولى مسؤوليات جسام في كل مواقع العمل الوطني ومراكز النشاط في بلادنا؛ في الحكومة، وفي القطاع الخاص، وفي الصناعات المدنية والعسكرية، وفي علوم وصناعات الفضاء والطاقة النظيفة والذرة واستخداماتها السلمية.
التاريخ معلم كبير، وتاريخنا في الأعوام الخمسين الماضية حافل بالدروس والعبر، وحاضرنا المزدهر مدين لجهود جبارة بدأها آباء التأسيس وأضاف إليها آباء التمكين، وإذا كان الإنجاز واضحاً وجلياً في مجال العمران، فإن إنجازنا الأكبر كان في مجال التنمية البشرية وبناء الإنسان الإماراتي، وهو ما يحتاج من مثقفينا وإعلاميينا جهداً أكبر لتبيانه وتوضحيه، بخاصة لأجيالنا الناشئة والشابة.
وهنا يكفي أن نتذكر واقع أحد المحركات الرئيسية في التنمية البشرية، وهو التعليم، ونقارنه بواقعنا اليوم. قبل خمسين عاماً كانت الأمية غالبة وتزيد نسبتها على 80%، وفي العام الدراسي 1970-1971 كان عدد طلاب المدارس في جميع الإمارات 16400 طالب وطالبة فقط، (11 ألفاً في المرحلة الابتدائية، 4500 في المرحلة المتوسطة، 900 فقط في المرحلة الثانوية)، لم تصبنا هذه الأرقام بالإحباط، فهذا هو الواقع في
بلادنا آنذاك، وكانت استجابتنا لتحديات هذا الواقع بإطلاق وتنفيذ خطط نشر التعليم وبناء المدارس وإرسال البعثات وتأسيس الجامعات، واليوم يسعدنا أن نسبة الأمية في بلادنا هي بين الأقل عالمياً، وأن مستوى التعليم بين الأفضل عالمياً.
أما على مستوى التعليم العسكري، فقد كان في بلادنا قبل الاتحاد مدرسة عسكرية واحدة تقوم بإعداد طلابها للخدمة في قوة الكشافة التابعة للسلطة البريطانية، ومهمتها الرئيسية حماية منشآت النفط ومصالح بريطانيا ورعاياها، وكانت استجابتنا لتحدي التعليم العسكري بإنشاء المدارس والكليات العسكرية التي باتت تضاهي الأفضل في العالم، وترفد قواتنا المسلحة بالكفاءات والكوادر الوطنية في جميع فروع وعلوم السلاح في البر والبحر والجو، وتؤهل الضباط لشغل وظائف القيادة والأركان، وتعد القيادات وترفع قدراتها على تحديد وتقييم تحديات الأمن على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية، وإدارة وتوظيف موارد الدولة لخدمة المصالح الوطنية العليا.
وقد اكتملت منظوماتنا الوطنية ببرنامج الخدمة الوطنية الذي يرسخ قيم الولاء والانتماء لدى شبابنا، ويزرع فيهم روح النظام والانضباط والتضحية بما يمكنهم من خدمة وطننا على أفضل وجه، فليس مثل الخدمة العسكرية مدرسة لبناء الشخصية الوطنية وصقلها وتعزيز وعيها بالقضايا الوطنية والتحديات التي تواجه مسيرة وطننا في دروب التنمية والتقدم.
أيها الضباط والجنود
أيها الإماراتيون والإماراتيات
ونحن نحتفي بذكرى توحيد قواتنا المسلحة مطمئنين لقدراتها، فخورين بكفاءتها، وبأدائها في كافة المهام المنوطة بها، لا بد أن نتوقف عند إنجاز كبير كان لقواتنا المسلحة دور رئيسي في تحقيقه وهو الصناعات العسكرية الإماراتية.
والواقع أن التفكير بالصناعات العسكرية كان حاضراً عند صدور قرار توحيد قواتنا المسلحة، وكان آنذاك حلماً يبدو بعيد المنال، لكن رؤية القيادة وخططها وسهرها، وعزيمة الرجال حولت الحلم إلى واقع معاش، باتت معه صناعاتنا العسكرية مكوناً رئيسياً من مكونات قوتنا الذاتية.
كنا ندرك أهمية بناء صناعة عسكرية وطنية، ليس فقط لسد جزء من احتياجات قواتنا، بل أيضاً لتعزيز استقلالية قرارنا السياسي، ودعم جهودنا لتنويع اقتصادنا، ورفد المجتمع العلمي الإماراتي بكفاءات وخبرات وطنية، فالصناعات العسكرية في كل الدول المتقدمة هي من أهم حواضن البحث والتطوير والاختراعات والابتكارات ذات الاستخدامات العسكرية والمدنية.
وكما واجهنا قبل خمسين عاماً تحدي ندرة الموارد البشرية ونجحنا في مواجهة هذا التحدي، واجهت خطط بناء صناعاتنا العسكرية تحدي اكتساب الخبرة ونقل التكنولوجيا وتوطينها، وقد نهضنا لمواجهة هذا التحدي عبر ربط برامج التسليح ببرامج التصنيع ونقل المعرفة، وعبر المعارض المتخصصة وفي مقدمتها معرضا الطيران وآيدكس اللذان وفرا لنا فرصة الاطلاع على أحدث منجزات الصناعات العسكرية في دول العالم المتقدمة، وفرصة عقد شراكات مع أهم المصنعين، فضلاً من توفير نوافذ لتسويق انتاج مصانعنا.
لقد مكنت صناعاتنا العسكرية أبناءنا وبناتنا من الاحتكاك المباشر مع أرفع الخبرات وأحدث التقنيات، مما عزز القدرات العلمية الوطنية، وسرع في نقل التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها.
واليوم مصانعنا تنتج وتصدر العربات المدرعة، ومركبات النقل العسكري، والقذائف بكل أنواعها وعياراتها، والأسلحة الفردية، والطائرات بدون طيار، وطائرات التدريب والمناطيد، والطائرات المقاتلة الخفيفة التي تعتمد تقنية التخفي، والسفن والطرادات والزوارق الحربية، وتقنيات المسح الجوي وجمع المعلومات، وهكذا تكاملت صناعاتنا العسكرية مع صناعاتنا المدنية، وأكملت منظومة التصنيع المتقدم في بلادنا، وباتت علامة " صنع في الإمارات" عنواناً للجودة والاتقان، ومحلاً للثقة في جميع أنحاء العالم.
أيها الضباط والجنود
أيها الإماراتيون والإماراتيات
لقد أنجزنا في الأعوام الخمسين الماضية الكثير مما يشهد به القاصي والداني، وبات نموذجنا الإماراتي قاعدة قوية ممهورة بالمعرفة والخبرة لانطلاقنا بثقة وخطوات ثابتة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً ومنعة وفاعلية، وأكثر قدرة على توفير الحياة الآمنة الرغيدة لأجيالنا القادمة.
ومنذ أن أعلنت وأخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان العام 2020 عام استعداد للسنوات الخمسين المقبلة، وعلى الرغم من الأثقال التي ألقت بها جائحة كورونا على بلدنا وعالمنا، قادت حكومتنا ورش عمل كبرى أشركت فيها المجتمع بكل فعالياته لوضع إطار إستراتيجي لعملنا في العقود الخمسة المقبلة، وخطة تنموية واضحة الأهداف والأولويات ومحددة البرامج الزمنية، ورؤية لمنظومة العمل الحكومي لتعزيز جاهزيتها للمستقبل، وقدرتها على استشراف التحديات والمتغيرات العالمية واتجاهاتها الصاعدة، لتكون حكومتنا الأسرع والأكثر مرونة وقدرة على التكيف مع هذه المتغيرات والتحسب المسبق لآثارها، واغتنام الفرص المصاحبة لها.
وبالنسبة لقواتنا المسلحة فإن استشرافها للمستقبل ومواكبتها للمتغيرات هو جزء من ثقافتها، ودورها في السنوات الخمسين المقبلة هو بطبيعة الحال امتداد لدورها منذ تأسيسها : درع وطننا وسيفه البتار، والسياج المنيع لأمننا واستقرارنا، والحافظ الأمين لسيادتنا واستقلالنا.
وإذ نستعيد في المناسبة التي نحتفي بها اليوم مسيرة بناء وتطور قواتنا المسلحة، فأنا على يقين بأن البناء سيعلو والتطور سيتواصل والقدرات ستتضاعف، برعاية أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
في ذكرى توحيد قواتنا المسلحة، نشد على أيدي جميع منسوبيها، ونكبر فيهم شجاعتهم وإخلاصهم ووفاءهم وصدق ولائهم وانتمائهم، ونحيي معهم شهداءنا الذين ارتقوا إلى أرفع الدرجات أحياء عند ربهم يرزقون.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدد خطانا ويلهمنا سواء السبيل، وأن يحفظ وطننا وشعبنا ويديم علينا نعمة الأمن والاستقرار والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".