ذكرت دراسة حديثة حول تأثير فيروس كورونا المستجد على البيئة والتغيّر المناخي، أن انتشار وباء كورونا عالمياً وما تسبب به من أضرارٍ اقتصادية وإنسانية عصفت بالعديد من دول العالم، يمكن اعتباره نقطة تحول فاصلة في تاريخ البشرية، تدفعنا لتوحيد الجهود لتجاوز هذه الأزمة العالمية وتفادي سيناريوهات خطيرة، وذلك باستباق آثار هذا الوباء والحد من تداعياته على صحة الإنسان، وإشراك جميع الأطراف وتحفيزهم من أجل بناء مجتمعات مستدامة وأكثر أماناً وازدهاراً في شتى نواحي الحياة.
وأشارت الدراسة - التي أعدها معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة، وإبراهيم الزعبي، الرئيس التنفيذي للاستدامة لدى ماجد الفطيم القابضة - إلى أن وباء "كوفيد-19" سينتهي حتماً، لكن يجب النظر إليه باعتباره تحذيراً للبشرية، بشأن خطورة تغيّر المناخ، والحاجة إلى المزيد من العمل الجماعي للتصدي لهذه المشكلة، لذا لا ينبغي أن نجعل جائحة الكورونا تمر دون استيعاب جميع الدروس المستفادة منها.
وأوضحت الدارسة، أنه وعلى مدار السنين تسببت الأنشطة الصناعية والعادات الإنسانية في حدوث تغيّرات جذرية على البيئة والمناخ، إذ تسببت تلك الأنشطة في ظاهرة الاحتباس الحراري وتدمير الطبيعة لصالح الأنشطة الزراعية والتعدين والإسكان، وحدوث المزيد من التدخل البشري في الحياة البرية، وهو ما جلب خطراً كبيراً على البشرية، خاصة وأنه ما يقرب من 75% من الأمراض المعدية الناشئة تأتي من الحياة البرية.
وبينت الدراسة، أنه كلما يمر الوقت، فإن المجتمع الدولي يفقد تدريجياً فرص ثمينة لإصلاح هذه التداعيات .. واليوم، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن العالم أمامه أقل من 10 سنوات لمنع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وذكرت الدراسة أنه يمكن الخروج من أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد عالمياً بعدد من الدروس والتوجهات الواجب على دول العالم مراعاتها في التعامل مع التحديات والأزمات التي نواجهها أو يمكن أن نتعرض لها مستقبلاً، وبالأخص تحدي التغيّر المناخي وفي مقدمتها قدرة المجتمع الدولي على الالتزام بإجراءات وقرارات محددة للتغلب على تحدي يهدد مستقبل البشرية وكوكب الأرض بشكل عام.
وبحسب الدراسة، يتمثل الدرس الأول، في مدى ارتباطنا كبشر، إذ أن الجميع ليسوا محصنين سواءً ضد فيروس كورونا أو التغيّر المناخي، فالجميع معرضون لتبعات هذه المخاطر، لا سيما وأن هذه التحديات تتطلب جهوداً جماعية عالمية، وتغييرات ممنهجة، ليس فقط من قبل الحكومات أو الشركات، ولكن أيضاً من قبل الأفراد.
وعلى غرار حالات الإصابة بفيروس"كوفيد-19" فإن كل طن من الغازات الدفيئة يسهم بصورة متساوية في تأجيج مشكلة التغيّر المناخي، وحتى لو قامت دولة أو قارة واحدة بسن قوانين للحد من هذا التهديد، فلن تكون هناك فائدة تذكر ما لم يفعل الجميع الشيء ذاته.
أما الدرس الثاني، فقد أشارت الدراسة إلى أن الوقاية خير من العلاج، حيث ذكر تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2012، أن تنفيذ التدابير الكافية للتخفيف من آثار التغيّر المناخي والحد من ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين لن يؤثر إلا بشكل طفيف على النمو الاقتصادي في المستقبل، مقارنةً بعدم اتخاذ أي إجراءات.
وتعد هذه التدابير بمثابة تكلفة وقائية زهيدة للغاية، لا سيما عند النظر إلى العلاج المحتمل الذي نحتاجه لمجابهة تداعيات التغيّر المناخي، فقد لا نستطيع تحمل تكلفة هذا العلاج بعد فوات الأوان، لذا فإن اتخاذ تدابير وقائية في وقت مبكر أمراً بالغ الأهمية، وهو ما تعلمناه من أزمة "كوفيد-19".
وبالنسبة للدرس الثالث، أشارت الدراسة إلى أهمية إظهار قوة التركيز العالمي، واتخاذ خطوات لتغيير أساليب إنتاج الطاقة واستهلاكها.
ولا ينبغي أن تكون هذه التدابير مفاجئة أو شديدة، ولكن يمكن اتخاذها من خلال تنسيق وتضافر الجهود العالمية.
وأوضحت الدراسة أن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد أظهرت مستوى من التنسيق العالمي لم نشهده من قبل سواء على صعيد الحكومات أو المؤسسات أو الشبكات الاجتماعية. وأصبح كل شيء ممكناً في ظل هذا التنسيق العالمي.
وهنا تأتي أهمية الدرس الرابع وهو الثقة بالخبراء.
وذكرت أن هناك درساً آخر يتمثل في أن المجتمع أصبح يتفهم مدى أهمية تغيير السلوك لمواجهة التحديات العالمية، وهو ما ظهر جلياً من خلال عدة إجراءات، مثل العمل من المنزل، وركوب الدراجات، والتباعد الاجتماعي، والتوقف عن المصافحة. فنحن الآن نفهم عواقب أفعالنا بشكل أفضل وهو ما يشكل فرصةً هائلةً لتغيير سلوكنا إلى سلوك صديق للبيئة.
أما الدرس الأخير والأهم، فهو أننا نمتلك الآن دليلاً إرشادياً لكل الأهداف التي يمكن تحقيقها، فقد أصبحنا جميعاً نستوعب قوة التكنولوجيا والاتصال بالإنترنت في قطاعات الاتصالات والتعليم والتسوق والقطاعات الأخرى، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من الفرص المستقبلية لمواجهة تغيّر المناخ.
واعتبرت الدراسة أن جهود التعاون العالمية بهدف الاستجابة لأزمة /كوفيد-19/، يجب أن تشكل مرجعاً يمكن الاستفادة منه لمعرفة كيفية التصدي لتغيّر المناخ الذي سيشكل مستقبلنا جميعاً في نهاية المطاف، حيث تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 0.3% و1.2% خلال العام الحالي، فيما شهدت مدن أوروبا وآسيا انخفاضاً ملحوظاً في نسبة غاز ثاني أكسيد النيتروجين بالهواء .. وصاحب ذلك تأثير فوري وملموس على البيئة، إذ انتشرت العديد من الصور على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تراجع معدلات تلوث الهواء.