يعيش العالم حالة انقسام إلى حد غير مسبوق حول استخدام مادة الهيدروكسي كلوروكين لمعالجة فيروس كورونا، فالقطب الأول تترأسه أمريكا وعدد من الدول النامية حرصت على التمسك بالدواء وإثبات فعاليته بالرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية
ودول أخرى كبرى تتزعمهم فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، تؤكد أن الدواء مميت، لكن سرعان ما انتقد قسم من الأوساط العلمية المنهجية التي اتبعها منتقدو الدواء بعد اكتشاف خلل في البيانات الأساسية.
وتحدث أطباء وخبراء عن ارتفاع في حالات الإصابة وتراجع في حالات الشفاء منذ التوقف عن استخدام الدواء بسبب توصية منظمة الصحة العالمية التي اعتمدت على المجلات الطبية، وهو الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول الجهات التي تسعى لتسييس هذا الدواء وفشل منظمة الصحة العالمية في تحديد الطرق العلمية المناسبة للتحقق من هذا الدواء حتى الآن.
كلوراكين شكلٌ مركبٌ من الكينين المستخرج من أشجار الكينا، ويستخدم منذ قرون لمعالجة الملاريا، ويباع تحت عدة تسميات بحسب الدول والمختبرات، ويعرف باسم نيفاكين مثلاً أو ريزوكين.
أما الهيدروكسي كلوراكين، فهو مشتق من الكلوروكين، لكنّه أقلّ سميّة منه، ويعرف في فرنسا تحت تسمية بلاكينيل، ويستخدم لمعالجة التهاب المفاصل الروماتويديّ والذئبة.
ويعد مدير المعهد الفرنسي، الدكتور ديدييه راؤول، هو صاحب الفضل في نشر أهمية الدواء، حيث اكد في مارس الماضي أن مضاد كلوروكين دواء يستعمل منذ وقت طويل لمكافحة الجراثيم التي تتكاثر داخل الخلايا مثل فيروس «كورونا»، والأطباء يعرفونه جيداً ويعرفون جرعاته وكل شيء، كما أن عدد الذين تناولوه يعد بالمليارات.
وأجرى الباحث الفرنسي تجربة سريرية على 24 مريضاً بفيروس «كورونا» المستجد، وقد اختفى الفيروس من أجسام ثلاثة أرباع هؤلاء بعد ستة أيام على بدء تناولهم العقار.
ووظيفة الكلوروكين معروفة في علاج الملاريا ومكافحة الفيروسات، أما بالنسبة لفاعليته في مكافحة فيروس كورونا فإنه ينبغي تعديل مقدار الدواء في كل مرة لكل مريض، حتى لا تكون هناك أعراض جانبية، حسب ديدييه راؤول.
وتراجعت أمس كبريات المجلات الطبية «نيو إنجلاند» و«لانسيت» عن دراسة شهيرة تشير إلى أن دواء هيدروكسي كلوروكوين المضاد للملاريا قد يكون خطراً على مرضى «كوفيد 19»، وهو الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى إيقاف التجارب على الدواء.
وفور إعلان مجلة لا نسيت ونيوانجلاند عن هذه الدراسة بسبب خلل في البيانات، أعلنت منظمة الصحة العالمية إعادة التجارب على الدواء فوراً، وهو الأمر الذي أحيا الدراسات التي تعتقد أن الدواء مفيد في علاج «كوفيد 19». وفقاً لـ«صحيفة نيويرك تايمز».
وقالت مجلة لانسيت البريطانية العريقة في بيان لها، تراجع 3 من مؤلفي الورقة البحثية، هيدروكسي كلوروكوين أو كلوروكوين مع أو بدون لعلاج «كوفيد 19»: تحليل التسجيل متعدد الجنسيات، عن دراستهم ولم يتمكنوا من إكمال تدقيق مستقل للبيانات التي يقوم عليها تحليلهم؛ ونتيجة لذلك، خلصوا إلى أنهم لم يعد بإمكانهم ضمان صحة مصادر البيانات الأولية.
وأوضحت المجلة بالقول «تأخذ مجلة The Lancet قضايا النزاهة العلمية على محمل الجد، وهناك عديد من الأسئلة العالقة حول البيانات التي تم إدراجها في هذه الدراسة. وباتباع إرشادات من لجنة أخلاقيات النشر (COPE) واللجنة الدولية لمحرري المجلات الطبية (ICMJE)، هناك حاجة ماسة إلى مراجعات مؤسسية للتعاون البحثي».
وبعد إعلان المجلة هذا الخبر، تدافعت الصحف الأمريكية التي كانت تشن هجوماً واسعاً على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب دعوته إلى استخدام الدواء إلى إعلان التراجع بشكل محرج معترفة بأن النتائج التي اعتمدت عليها هذه الصحف قد تم سحبها.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقريرها: «أسفرت الدراسات، التي نشرت في مجلات علمية شهيرة، عن نتائج مذهلة وغيرت مسار البحوث في وباء الفيروس التاجي».